الاثنين، 9 يونيو 2014
مَجــالُ الجَمــالِ
محمّد
طه القدّال
طه سليمان وسنتر المفهوم
طه سليمان، لم ألتقه وليس بيننا معرفة خلاف المعرفة العامة،
من شباب المغنين الذين يجب تشجيعهم حتى يتجه الاتجاه الصحيح الذي سوف يقوده،
بالجهد والجدية، إلى مايريد. لقد استمعت إلى كثير من غنائه وخاصة (سنتر الخرطوم)،
كما استمعت إلى حديثه في برامج تلفزيونية ووجدت أن له حجة ومنطقاً
علينا الاستماع لهما ومناقشتهما بالجدية اللازمة. وأيضاً كنت أتعجب للغط والتصنيف
غير المنصف الذي طال هذه الأغنية عند ظهورها ومن ثم المغني. لقد تم دمغ المغني
بالهبوط ووُصفت الأغنية (سنتر الخرطوم) بالهابطة أيضاً، دون أن يكلف أحدهم نفسه
ليقول لنا كيف؟ ولماذا؟ وإلى أي مدى هذه الأغنية هابطة. هذه الأغنية من صنف غناء
السخرية الناقد الذي اضمحل باضمحلال المونولوج. هي أغنية أقرب إلى الطقطوقة
المفعمة بالكوميديا السوداء التي تسخر من الواقع القميئ. لقد كان الشاعر، قصد أم
لم يقصد، موفقاً في اختيار شخصية دراماتيكية لهذه الأغنية المسرحية، (عوض دكام)، خيطاً
يربط المواقف والملاحظات المراد جلدها والعودة إليها بعد كل مقطع كلازمة يختتم بها
الكوبليه (كلام يا عوض دكام) وهي لازمة أعتقد أن من نحتها هو المرحوم عوض دكام
نفسه. كان الأستاذ الدكتور عوض دكام عليه شآبيب الرحمة من أظرف ظرفاء أهل السودان
تميز بالروح الشعبية البسيطة المرحة مع الذكاء الحاد والبديهة الحاضرة والسخرية
اللاذعة واللسان الذرب والانضباط في المواعيد والعمل واحترام الذات لأقصى درجة مع
احترام الآخر. كان مهنياً من أشطر أطباء الأسنان وكان من أكرم من عرفت نفساً ويداً
من الأطباء وأنظفهم سريرة. وهو محب للفنون والآداب حفي بأهل الفن والأدب وذواقة من
الطراز الفريد. يسخر بلماحية وطرافة دون تجريح وربما يسخر من نفسه حيناً. فربط
السخرية في هذه الأغنية بشخص وكلام عوض دكام ربط موفق. والأغنية تتناول مواضيع
تستحق السخرية مثل: السخرية من وسط الخرطوم المدينة، وهو يصير خاوياً ينعق فيه
البوم إذا جن الليل. والسخرية من الحلاوة النظرية لدنيا السودانيين، ومن القسوة
الفعلية المتمثلة في استحالة ثمن العلاج على الفقراء ومن الطبيب الذي كان إنساناً
وقد صار تاجراً يتعامل مع المرضى بالأرقام. والشكوى والبكاء من العلم الذي أضحى فقط
لمن يستطيع أن يدفع بالدولار والحسرة على عموم واقع العملية التربوية والتعليمية.
وسوء استغلالنا للتقانة الحديثة من ساتلايت وانترنت وهاتف جوال. ومن رياضتنا الفاشلة
وكرتنا الخاسرة والتي عاقرت الهزائم كأنما ليس لها علاقة بما يجري في العالم. وقضية
الهوية والاستلاب الثقافي والتنكر للتقاليد والقيم السودانية الراسخة والانجرار وراء
تقاليد الآخرين. وضمورنا الثقافي واضمحلال انتاجنا الدرامي وتشوه شاشات تلفازنا. وتدني
اهتماماتنا وسخفها من (فشخرة وبوبار وأوهام ونميمة وشمار). هذه أفكار يجتهد الكثير
من الكتاب في طرحها صباح مساء على صفحات الجرائد ووسائل الإعلام المختلفة ناقدين
ومنبهين لخطورتها وليس من ينتبه لما يقال، ولكنها الأغنية بخطورة نفاذها وسرعة
توصيلها. لا جدال أن هذه أغنية تحمل فكرة عالية ناقدة تحاول طرحها وإقناع المستمع
بها. ولكننا لنا قول في طريقة طرحها للفكرة. أولاً القالب الذي احتوى هذه الفكرة
قالب ليس على قدر مستوى الفكرة. ولكي نجيب على هذا نسأل: هل هذه أغنية؟ ونجيب
فنقول إنها أغنية من حيث موسيقى الألحان والإيقاع والأداء الصوتي للفنان. ولكن
كلماتها برغم احتشادها بالفكرة تندرج في إطار (المونولوج) الساخر المعروف منذ أيام
المرحومين بلبل والفاضل سعيد حتى فرق الكوميديا الحالية، في تناولها للقضايا
الاجتماعية والاقتصادية وأحيانا السياسية. مونولوج على طريقة (لا تمحنا ولا تبلينا
قطار السكة حديد يكفينا) أو على طريقة (الموية الموية الموية). هي الأغنية
المونولوج فمن قال أن المونولوج من الغناء الهابط؟ ومن قال أن المونولوجيست من
المغنين الهابطين؟ إذا قدم طه سليمان هذه الأغنية كمونولوج من الوهلة الأولى، هل
كان سيتم وصمهما بالهبوط؟ لا أظن. علينا أن نعمق نظرتنا في ما ننتج من غناء ومغنين
خاصة الشباب قبل إصدار الأحكام التي تثبط الهمم وتؤدي إلى هبوط من ليس هو هابط في
الأصل.
نحن ماناسين
للعهود فاكرين
للوداد طارين
ياعوض دكام
حديثك الراقى
ووجهك البسام ياعوض دكام